الله أكبر
الحمد لله حمداً يليق بذاته الحمد لله بعدد مخلوقاته وصلاة وسلاماً عليك سيد يا رسول الله يا خير من هلل وكبر وعبد وشكر وعلي الك وصحبك الكرام البررة وبعد….
فإن المرء إذا صبح الله حقيقة ، ووحده وكبره ، فقد عرفه ، واذا عرفه أطاعه ، واذا اطاعه استحق جنته ، وما عند الله خير ، وأبقي من الدنيا الفانية.
والله أكبر ، يفتتح بها الاذان ويختم بها ، ليشعر المسلم ، وهو يسمع الاذان وهو منغمس في عمله ، وتجارته ، أن ما عند الله ، حينما يمتثل العبد أمره ، بتلبية النداء ، أكبر من كل شئ بين يديه ، مهما يكن كبيراً .
والله أكبر نفتتح بها صلاتنا ، ونرددها في أثناء الصلوات الخمس ما يزيد عل مائتين وخمسين مرة ، في اليوم الواحد ، وقد أصاب بعض الفقهاء حين عدها أقرب الي الشرط ، الذي ينبغي أن يستمر طوال الصلاة ، منها الي الركن ، الذي ينقضي بادائه ، فالمصلي ينبغي ان يلحظ في اثناء صلاته ، أن الله اكبر من كل شئ يشغله عن الخشوع لربه .
والله أكبر نرددها عقب انتصارنا علي أنفسنا ، عقب عبادة الصيام في عيد الفطر السعيد ، وعقب عبادة الحج ، وفي عيد الاضحي المبارك لذلك سن لنا النبي صلي الله عليه وسلم ، التكبير في العيدين ، لانه تحقيق للعبودية لله ، والعودة اليه.
إذا رجع العبد لله نادي مناد من السماوات والارض : أن هنئوا فلاناً ، فقد إصطلح مع الله .
والله أكبر نرددها ، ونحن نواجه أعداءنا ، وبعد أن ننتصر عليهم من أجل أن نشعر ، أن الله أكبر من كل كبير ، وأن النصر من عند الله ، قال تعالي:
{ وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم} "الانفال 10" .
والله أكبر يرددها المؤمن السالك الي الله ، فتعني عنده أنه كلما كشف له جانب من عظمة الله ، جانب من قدرة الله ، جانب من رحمة الله ، جانب من إكرام الله ، تعني ، عنده ، ان الله اكبر مما رأي ، وكما قال الامام الشافعي: "كلما ازددت علماً ازددت علماً بجهلي" .
ومجمل القول ، أن المؤمن مهما زادت معرفته بربه ، فالله اكبر مما عرف ، والعبرة كل العبرة لا في ترديد لفظها ، بل في معرفة مضمونها ، ومضمون هذه الكلمة يؤكده ، ويحدده سلوك المؤمن ، والنبي صلي الله عليه وسلم ، قمة البشر في معرفة مضمون كلمة "الله أكبر".
أرسلت قريش عتبه بن ربيعه الي رسول الله صلي الله عليه وسلم ليقول له :" لقد أتيت قومك بأمر عظيم ، فإسمع مني أعرض عليك أموراً ، لعلك تقبل بعضها ، إن كنت إنما تريد بهذا الامر مالاً ، جمعنا لك من أموالنا ، حتي تكون اكثرنا مالاً ، وان كنت تريد شرفاً ، سودناك علينا ، فلا نقطع امراً دونك ، وان كنت تريد ملكاً ، ملكناك علينا " فلم يفلح في هذه المحاولة.
ثم حاولت قريش ، عن طريق عمه أبي طالب ، أن تكفه عن دعوته فقال له عمه ابوطالب: يا بن اخي ابق علي نفسك وعلي ولا تحملني من الامر ما لا أطيق ، فما كان من رسول الله صلي الله عليه وسلمالا ان قال قولته الشهيرة ، " والله يا عم ، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ، علي أن أترك هذا الامر ، ما تركته ، حتي يظهره الله ، أو أهلك دونه".
الله أكبر ، قالها أصحاب رسول الله ، قالوها بألسنتهم ، وإمتلأت بها قلبوهم ، وصدقتها أعمالهم ، ففعلوا ، وهم قلة ، ما نعجز عن فعل معشاره ، ونحن كثرة ، فالواحد ممن يقولها ، ويصدقها عمله كألف ، والالف ممن يقولها ، ولا يصدقها عمله فمردود عليه .
سيدنا سعيد بن عامر ، ارادت زوجته أن تحمله علي الكف عن الانفاق في سبيل الله ، قال لها :" لقد كان لي أصحاب سبقوني الي الله ، وما أحب أن انحرف عن طريقهم ، ولو كانت لي الدنيا وما فيها وقد خشي ان تدل عليه بجمالها ، وهو سلاح النساء فقال لها : تعلمين ان في الجنة من الحور العين ، مالو اطلت واحدة منهن علي الارض ، لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر ، فألآن أضحي بك من أجلهن ، أحري ، وأولي من أن أضحي بهن من أجلك ، قال هذا الصحابي الجليل الله اكبر بلسانه ، وامتلأ بها قلبه ، وصدقها عمله .
راع ، من عامة المسلمين ، يرعي شياها ، قال له ابن عمر ممتحناً بعني هذه الشاه ، وخذه ثمنها ، قال : ليست لي ؛ قال : قال لصاحبها ماتت ، أو أكلها الذئب ، وخذ ثمنها ، قال : والله ، أنني لفي أشد الحاجة الي ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب لصدقني فاني عنده صادق أمين ، ولكن … أين الله .
قال هذا الراعي : الله أكبر بلسانه ، وامتلأ بها قلبه ، وصدقها عمله .
اذا اطاع المرء مخلوقاً ، كائناً من كان ، وعصي خالقه ، فهو ما قال : الله أكبر ، ولا مرة ، ولو رددها بلسانه الف مرة ، لانه انما اطاع الاقوي في تصوره.
واذا غش المرء الناس ، ليجني المال الوفير ، فهو ما قال الله اكبر ، ولا مرة ، ولو رددها بلسانه الف مرة ، لانه انما رأي أن هذا المال أكبر عنده من طاعة الله ورسوله.
واذا لم يقم المرء الاسلام في بيته ، ارضاء لاهله ، ولاولاده ، فهو ما قال الله اكبر ، ولا مرة ، ولو رددها بلسانه الف مرة ، لانه انما رأي ان ارضاء اهله اكبر عنده من ارضاء ربه .
كلمة الله اكبر ، لو عرف المسلمون مضمونها فرددوها بالسنتهم وامتلأت بها قلوبهم ، وصدقتها أعمالهم ، لكانوا في حال اخر مع الله وموقف اخر مع الخلق.
لنردد الله اكبر ، بالسنتنا ، ولنتعرف الي مضمونها ، ولتكن أعمالنا مصدقة لها ، حتي نستحق ان يرحمنا الله ، وأن ينصرنا علي اعدائنا.